جاري تحميل ... حديث الصباح

إعلان الرئيسية

آخر الأخبار

إعلان في أعلي التدوينة


                                  يكتبها لكم د. ياسر عكاشة  استاذ الادب بجامعة الازهر

يمثل العنوان عنصرا من العناصر المهمة التي تساهم في فك شفرة النصوص الإبداعية، وفهم مضامين التجربة الشعرية ، فهو عتبة حقيقية تفضي إلى غياهب النص وتقود المتلقي إلى فهم التجربة ووعي مضامينها عن طريق التحفيز لقراءة النص ، " وهو العلامة التي تطبع الكتاب او النص وتسميه وتميزه عن غيره ، وهو كذلك من العناصر المجاورة والمحيطة بالنص الرئيس إلى جانب الحواشي والهوامش والمقدمات والمقتبسات والأدلة الأيقونية" ([1]) .

ولهذا فلا سبيل إلى تجاوز أو إهمال العنوان لما له من سلطة كبيرة في تنظيم عملية القراءة والتأويل ، ولما له من وظيفة كشفية تفتح أفق القراءة بشكل أكثر، فالعنوان من أهم الأسس التي يرتكز عليها الإبداع الأدبي المعاصر لما يتمتع به من خصائص تعبيرية وجمالية كبساطة العبارة وكثافة الدلالة .

وتتجلى عتبة العنوان في ديوان مدائن الفجر للشاعر الدكتور صابر عبد الدايم من خلال صفحة الغلاف التي تكشف الكثير من المضامين والرؤى في نفس المتلقي .

وبالنظر إلى الديوان محل الدراسة تقع أعيننا أول ما تقع على صفحة الغلاف التي تعكس العديد من الدلالات المدركة من النّاظر له، فالغلاف الخارجي " أول واجهة مفتوحة الدلالات والتأويلات ، التي تصادف العين البصرية لمتفحص العمل، وهي المحفز للمتلقي بالإقبال أو الإدبار على اقتناء هذا الإنجاز ومطالعته "([2]).

  ومن المؤكد أن لوحة الغلاف لم توضع عبثا ، وإنما لتكون مؤشرا دالا على مضامين النّص فتحاكيها ، ولذلك نرى أن اختيار الشاعر لأغلفة الدواوين ليس اعتباطيا ، وإنّما جاء هذا المكون العتباتي كأداة لتمرير رسائل ترتبط بالمضمون ارتباطا قويا.

ومن خلال القراءة البصرية لغلاف الديوان يتضح جليا للمتلقي بروز اللون الأحمر الذي يعطينا صورة رمزية لألوان الكفاح التي يرسمها الشاعر ، وينادي بها من أجل الوصول لمدائن الفجر ، كما يبرز اللون الأحمر الداكن في صفحة الغلاف الدماء الذكية التي بذلت وما تزال تبذل من أجل هذه المدائن ، وبروز اللون الأصفر المائل إلى اللون البرتقالي الذي يعطي إيحاء واضحا بالأمل المشرق المتمثل في بزوغ الشمس من أجل الوصول لمدائن الفجر المشرقة بنور الإيمان الذي تجلى في المساحة البيضاء الناصعة في منتصف صفحة الغلاف التي توحي بنصاعة الرؤية الإسلامية ووضاءتها وقرب تحققها .

 فلقد تعانقت الألوان البصرية المتمثلة في هذه الألوان - اللون الأحمر- والأحمر الداكن- الأصفر – البرتقالي- الأبيض – من أجل خلق تجربة إيمانية تتجلى رؤيتها ومضمونها من أجل الوصول إلى الأمل والطموح الذي تمثل في مدائن الفجر عنوان الديون .

ثم تأتينا عتبة العنوان الخارجي للديوان " مدائن الفجر " باعتباره الإضاءة الأولى التي يطلقها المبدع لتحفيز القارئ وشد انتباهه  لاقتناء الديوان أو الإعراض عنه ، وهذه العتبة تقوم بتقديم الديوان للقارئ دلالة وبناء وتصورا لمضمون العمل الإبداعي.

 ويقوم الغلاف الخارجي  بوظيفتين أساسيتين وظيفة إشهارية تتعلق بالناشر، تنتهي بمجرد اقتناء الكتاب، ووظيفة تأويلية تتعلق بالمتلقي الذي قد يكشف على علاقات التماثل بين صورة الغلاف ومضمون الديوان .

وفي الغلاف الخارجي الخلفي أعاد وضع صورة مصغرة لصفحة العنوان الرئيسي مذيلة بكلمة الناشر مصدرة ببيتين للشاعر على النمط الكلاسيكي عن مدائن الفجر:

مدائن الفجر لم تُفْتَح لقافلتي

 

والخيل والليل والبيداء قُدَّامِي

والسيف والرمح في كفَّيَّ من زمن

 

لكنني لم أغادر وقع أقدامي([3])

 

 

 

ويبرز من خلال اختيار الناشر لهذين البيتين الضغط الواضح على القارئ ليحيل على الأزمة التي يعيشها الشاعر في الإلحاح على الطرق على مدائن الفجر حتى تفتح ، فيتحول المتلقي حينئذ من قارئ إلى فارس يشارك الشاعر أناته الوجدانية التي يتردد صداها بين الإصرار والطموح والأمل في الوصول إلى هذه المدائن .

إذا تجاوزنا هذه العتبة الخارجية إلى داخل العمل الدبي تستوقفنا ظاهرة عنونة النصوص – العناوين الداخلية – عند الشاعر صابر عبد الدايم ، وهي ظاهرة بارزة عند الشعراء المعاصرين باعتبار عنوان النص نقطة الولوج إلى عالم النص وتفسيره ، حيث إن " اجتماع النص وعنوانه يشكلان معاينة شاملة وبنية  معادلية كبرى هي العنوان والنص ، وهي بمنزلة بنية رحمية تولد معظم دلالات النص "([4]) .

ومن هنا بدت العلاقة واضحة مترابطة بين عنوان الديوان وبين عناوين قصائده، إذ تزخر عناوين القصائد بالحقل الإيماني التي يتسم بها العنوان الرئيسي للديوان ، فجات عناوين القصائد ( مدائن الفجر – وا إسلاماه – أقباس من ملحمة الإيمان – أعراس الشفق – محمد ورحلة اليقين – نقوش على جدران المسجد الأقصى – السفينة والطوفان ) .

ونلاحظ أن عناوين القصائد جاءت متفاوتة شكلاً من حيث الطول والقصر؛ فجاء بعضها بصيغة الإضافة لتوضح طبيعة العلاقة بين المضاف والمضاف إليه في عتبة العنوان، وما يمكن أن ينطوي عليه المتن الشعري من دلالات تغذّي الرؤية العنوانية على نحو (مدائن الفجر / أعراس الشفق) وبعضها جاء جملة محذوفة الخبر تارة مثل ( السفينة والطوفان ) ومحذوفة المبتدأ تارة أخرى مثل ( أقباس من ملحمة الإيمان / محمد ورحلة اليقين / نقوش على جدران المسجد الأقصى ) وهذه الاستراتيجية في العنونة كانت أثيرة لديه لانفتاحها على دلالات متنوعة . وكذا بقصد الإشارة إلى علاقتها بمعاني القصيدة، واحتفاءً بالمطلع، وتهيئة للقارئ للدخول معه إلى جو القصيدة من خلال ما يقدره لهذه المحذوفات .

وجاءت هذه القصائد مفعمة بالرؤية الإسلامية النابعة من وجدان الشاعر وذاكرته الإيمانية ، وألفاظ عناوين القصائد ومعانيها تعمل على شحذ العزائم وحفز الهمم في سبيل إبراز المواقف السامية والأخلاق الفاضلة .

فمدائن الفجر: تدعو إلى العودة من الغربة والتيه ، وترقب الفجر الذي يأتي بعد الظلام ، وترنو إلى وحدة الصف للذود عن الوطن حاملة بين يديها السيف كرمز للقوة ومرتكزة على الإيمان لنعود إلى أمجادنا وانتصاراتنا .

وقصيدة وا إسلاماه : تكشف عن الأوجاع التي يحسها الشاعر والمتلقي كذلك من كثرة المحاولات لطمس هويتنا الإسلامية ، وفيها يفجر الشاعر في قلوبنا العديد من الأوجاع التي أبرزها من خلال ثنائية الليل والفجر ، الليل بما فيه من آلام ورياح عاتية وظلال واهمة وحيل شيطانية لمحو الهوية ، والفجر ذلك الصوت القادم بما يحمله من ملامح قرآنية ورايات إسلامية قادرة على شحن الحس المسلم بومضات مشرقة تعيدنا إلى مجدنا .

وقصيدة أقباس من ملحمة الإيمان : هذه القصيدة التي تعد ملحمة إيمانية بما احتوته من بوح وجداني كشف عما يدور في نفس المؤمن من أوجاع وآلام ، وارتكزت على استحضار التاريخ الإسلامي لتنفذ إلى أمجاده متكئة على الحوار والتشخيص لتصل إلى نفس المتلقي فتشحذ همته ، وذلك من خلال محاور إيمانية دارت حول : ابتهال صافي ، ثم التأمل واليقين ثم معجزة القرآن في كل العصور ، ليصل بنا إلى بدر الانتصار والحق ، ثم بدر الوجه والقناع ، ففتح مكة ثم ليلة القدر، ويختم بعنوان اليقين والوصول .

وقصيدة أعراس الشفق : تكشف لنا وجدان الشاعر وأحاسيسه في شكل جماعي حين يمضي بنا إلى عطاءات الشهداء مرورا بسراييفو مستوحية النص القرآني من بدايتها لتشعل فينا الحنين إلى الجهاد لتحرير الوطن الإسلامي .

ثم تطل علينا قصيدتان شائقتان بما تحملاه من معان إسلامية هما : ( أين الطريق إليك – ومحمد ورحلة اليقين ) " فهما يرشفان حزنا مورقا عبر نبضهما المتجدد، ونداءاتهما الجارحة ، وفضائهما المؤجج بالاستفهام ، وثراء الخطاب الشعري المتنوع المتكئ على وهج التاريخ ، والبوح الوجداني الشفيف تجاه الفضائل الإيمانية التي تسمو بإنسانيتنا "([5]) .

وتبرز قصيدة :" نقوش على جدران المسجد الأقصى " بما تحمله من وهج فلسطين ، حيث المسجد الأقصى ما يزال أسيرا قابعا تحت نير الاحتلال الصهيوني، فتكشف هذه القصيدة عن الوجه الحقيقي لليهود حيث السلم المزعوم والاستسلام والخنوع ، فالسلام معهم مبتور اليد لا يتحقق منه سوى شعارات رنانة ، أما المنبر فأسير كسير يكبر مستغيثا بالمسلمين .

ثم تأتي قصيدة : السفينة والطوفان : الذي يستلهم فيها شاعرنا قصة سفينة نوح ويسقطها على الواقع المرير الذي تعيشه الأمة الإسلامية ، فالطوفان يطوقنا والسلام وهم وظل كلام ، والويل ينهشنا ، ولم يجد شاعرنا للسفينة مرفأ سوى مرفأ الأحلام والأمنيات .

 ولقد أحسن الشاعر في اختيار عتبات العنوان الداخلية والخارجية، وبناها على أساس مجموعة من الاعتبارات الفكرية المتصلة بالشاعر، والجمالية التذوقية المرتبطة بالمتلقي؛ كي لا يسيطر نمط معين على أسلوبه، وتشكيل عناوينه، فيملّ القارئ تواترها؛ ولذلك فعناوينه تدل على التأنق في الاختيار، والوعي بتجربته الشعرية بطريقة تثير فضول القارئ لاقتناء الديوان وقراءته..

كما سطعت الرؤية الإسلامية والروح الحماسية عبر عناوين قصائد الديوان من خلال المفارقات والصور الشعرية الموحية والألفاظ ذات الدلالات الإسلامية ، فتتعانق هذه العناوين بمعانيها وصورها مع عنوان الديوان الرئيس وهو ( مدائن الفجر) .

فعناوين القصائد  بمضامينها الإسلامية التي تحمل هم الأمة ، جاءت معانقة للرؤية الكبرى في عنوان الديوان والتي ترنو إلى فتح هذه المدائن ، ورفع راية الإسلام على أبوابها ومآذنها لتعلن مولد فجر جديد هو فجر الإسلام بما يحمله من آيات قرآنية وحدائق إيمانية ورايات إسلامية .



(1) صورة العنوان في الرواية العربية ، جميل حمداوي

http://www.arabicnadwah.com/articles/unwan-22/01/2007 .

(2) مقاربة سيميائية في عناون ديوان " بسمات من الصحراء لحسان درنون ، د رضا عامر – أ . حاتم كاعب ، مجلة معارف – جامعة إكلي اولحاج – الجزائر عدد (4) أبريل 2008م ص 103 .

(1) ديوان مدائن الفجر للشاعر الدكتور صابر عبد الدايم ، ط مكتبة العبيكان ، الطبعة الأولى سنة2005م ، ص 5 .

(2) التحليل السيميائي للمسرح سيميائية النوان – سيميائية الشخصيات – سيميائية المكان ، منير الزامل ، ط مؤسسة رسلان – سورة – دمشق سنة 2014م ، ص 25 .

(1) مقال قراءة نقدية في ديوان " مدائن الفجر " للشاعر الإسلامي صابر عبد الدايم http://www.bab.com/node/

ليست هناك تعليقات

إعلان أسفل المقال