........ في هذه المرة ، حاولتُ جذْبَ خيْط رقتها نحوي رويداً رويداً – كما يفعل الصياد الماهر مع صيدٍ ثمين – بداية الخيط : قُبلة تُداعبُ ضوء الصباح الذي أنار في وجهها ، فركتْ عينيْها إثر دِفء شفتيّ ، ثم راحت على مهلٍ تنفض غبار النوم عن وجنتيها ....
ابتعدتُ قليلاً ؛ لأستقبلَ جمال أول نظرة بعد
الفواق .. لكنها مالتْ بجسدها ، وهي تغطُّ في نوْمها ....
داعبَ هواءُ شفتيّ بعض خصلاتِ من شعرها ، في
الوقت الذي حنّتْ أنامُلي لبعض لهْوٍ ومُداعبة ....
أيقنتْ عندئذٍ أن شبح اليقظة قادمٌ لا محالة ،
وبقدومه كانت الصّدمة الأولى ؛ إذْ قالت :
" افتح الشباك علشان أنشر الغسيل "
!!! ، تسّمّرتُ مكاني مُناجياً نفسي : غسيل !!! ، وبعدين معاكِ ؟!!!
- "
حاوِلْ مرة ثانية ، المرأة مُهرة تهفو لجَوادٍ يعْدو خلفها ، هيا ألْقِ لها طوْقَ
نجاةٍ ؛ ينقذها من بحرِ اللامبالاة ، أرْسِلْ لها إشارة اطمئنان ، تعلّمْ من
الصياد صبره ومهارته "
أنصتُ لحديثِ نفسي ، فمددْتُ لها طوق نجاة من
" نجاة " : طول ما بشوفك جنبي ....
هنا زوتْ ما بين حاجبيْها ، ومن زاوية عينيها
رمقتني بنظرة ، وهي تحاول أن تستيقظ وقالت :
" قومْ اطفي البوتاجاز ، الباشميل حيتحرق
..... "
فكانت الصدمة الثانية : بوتاجاز ، باشميل ، إيه
الست دي ؟ !!
- "
صدّقني لا تيأسْ ، هي تختبر صبرَك نحْوها ، كما تختبر عروس البحر صيّادها ، لترى
هل يستحق الفوز بها أمْ لا ؟! ، اصْبِر تنل ، تأنّ تفزْ ، قدْ دنا المُرادُ ، فلا
تعجلْ ؛ العجلة تهدم لا تبني .... "
أوك ، مرة ثانية أسمع لكِ يا نفسي ، فتحتُ
هاتفي على :
أنا قلبي إليك ميّال ، ومفيش غيرك ع البال ....
هاااا هاااا ، حدثت المفاجأة ، قفزتُ في مكاني
قفزاتٍ طفوليّة ، وأنا أصْرخ بعبارة أحمد مظهر في فيلم ( الأيدي الناعمة ) : خونة
، خونة ، لقد اعتدلتْ في فراشها ، أفاقتْ من نومها ، ياااااااه أخيراً ....
تنفسْتُ كل هواء الغرفة ثم أخرجْتُه زفيراً كمن
يلقِي عن كاهله عبئاً ثقيلاً ، أخيراً نجحت خطتي ....
نظرتْ يمْنة ويسْرة قبل أن ترفعَ وجهها في وجهي
لتقول :
" والله يا عم إنت راااايق ... نفسي أنام
خمس دقايق على بعضهم ، والله حرام عليكم ، طالما صَحِّتْني من النوم ، أقوم لشغل
البيت ، يلّة : اسْتعنا ع الشقا بالله "
فكانت الصدمة الثالثة ... ، عندئذٍ ضحكتُ
ضحكتين لا ثالث لهما :
الأولى : كادتْ تُسْمِع مَن به صَممٌ ... تحملُ
سخرية على قلبٍ والهٍ عاشق !!
الثانية : رسَمتْ حروف : مفيش فايدة ... ربنا
يرحمك يا عم سعد ...!
جفَّفَ الغسيل قلبي قبل أنْ يجفَّ هو ، ألاَ
جفَّفَ الله قلبكَ غسيلَ الشُّؤم !!
أحْرق الباشميل قلبي قبل أنْ يحترقَ هو !! ألاَ
أحْرق الله قلبكَ كما أحْرقتني !!
إنه أراد أنْ يُعلِّمها درساً في الغناء
والاعْتناء ، فعلَّمتْه درساً في الاسْتغناء والاسْتغباء !!
لكنها لعنة الإفراط على حدِّ تعبير " أحمد
خالد توفيق " كانت الكارثة كلها في الإفراط ، الإفراط في الأمل ، في الحب ،
في التوقعات ، في الانتظار ، في كل شيء "
وأنتم ، ماذا تعتقدون ؟!
قال الأول : أنت لمْ تفشلْ ، حاوِل ، الفشل هو
أنْ تتوقف عن المحاولة ...
وقال الثاني : أسرع حاجة تخلي الست تتهِبل انك
تقولها حتجوز عليها ، لذا اصرخ عند أذنيْها بهذا ، ثم ادعُ الله تعالى أمامها
بدعاء هذا الأعرابي ، ستنهض من فراشها توّاً ، تلبي ما شِئتهُ :
اللهم ارزقني امرأة عيطموساً ، عيطبولاً ،
عيْطاء ، وأعوذ بك من شر الصّهصاهة ، الصهصلق ، الشمشليق ، الهلوف " وخلِّي
بالك كلمة امرأة هنا تعني : واحدة نسوان بالبلدي كده ، أنثى يعني فِهِمْت خلاص ؟!
وقال الثالث : لا شيء أجمل للإنسان من البعد عن
النسوان ، فقلتُ باستهجان : إنك تخالف شريعة الرحمن ، وسُنة العدنان ، فضحكَ مني
ساخراً كما لو مسّه جان ، فبكيتُ أنا في جنان !!
وقال الرابع : لن تجد السعادة إلا في العطاء ،
أعْطِ أولاً وثانيا وثالثا ورابعاً وخامساً .... ثم خذ من عاشراً !!
لا يسمح بالتعليقات الجديدة.