جاري تحميل ... حديث الصباح

إعلان الرئيسية

آخر الأخبار

إعلان في أعلي التدوينة

بقلم أ.د/ ياسر عكاشة حامد

                                  أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر

مما لاشك فيه أن الدعوة إلى الخطاب الديني جاءت في إطار الصحوة الإسلامية الذي يشهدها الواقع المعاصر ، وتتمثل هذه الصحوة في المناداة بإحياء الأدب الإسلامي بروحه وأخلاقه وتعاليمه الداعية إلى العدل والمساواة والوسطية ومن هنا تصاعدت الأصوات المعاصرة بخطابها الشعري الإسلامي جنبا إلى جنب مع الأصوات الفكرية التي تحمل على عاتقها تجديد خطاب الأمة بكل تجلياته وأنماطه، حتى جاءت هذه الأصوات الأدبية بإبداعها المتنوع المنطلق من رؤى إسلامية صافية انبثقت من روافد الخطاب الإسلامي المتعدد جزءا رئيسا من نسيج قومي واحد ، يبحث ويناقش ويحاجج ، ويصدح من أجل البحث عن وضع صحيح للأمة.

والخطاب الديني ينطوي على ما يحمله من مضامين فكرية وأديلوجية فلم يعد مجرد أسلوب لتبليغ وطريقة للتعبير عن الرأي والموقف ولكنه الوعاء المعبّر عن الروح والعقيدة والفلسفة والمذهب بما يحمله من خطاب ثقافي، وخطاب أدبي، وخطاب فني، وخطاب إعلامي، وإن كان الخطاب الإعلامي أكثر استيعاباً للمضامين الواسعة، بحيث يمكن أن يستوعب المستويات الخطابية جميعاً.

فالخطاب الديني أشرف خطاب يتبادله الناس فيما بينهم لأنه خطاب الأنبياء والرسل الكرام مع أقوامهم في مختلف الأزمنة والأمكنة ، ولأنه أيضا خطاب المصلحين مع غيرهم ، ولأنه خطاب العقلاء الأخيار فيما بينهم.

ونحن إذ نخوض في هذا المجال لبيان رسالة الإسلام للناس ، وقدرته على استيعاب أحداث الحياة بما في الدين من شمولية مع القناعة التامة بأهمية الدين للحياة .

كما أنه بدراسة هذا الجانب في تجارب الشعراء المعاصرين تنبيه للعقلية المسلمة أن تمعن النظر في قراءتها للنص ، وأن تتعمق في فهم الواقع المحيط بما فيه من أحداث ووقائع تمتاح من مضامين الدين وآفاقه الرحبة ، واستدعاء الخطاب الديني إلى دنيا الناس عن طريق التجارب الشعرية تأكيد واضح على استمرار دور الشعر في بيان منهجية الإسلام وعقيدته وشموليته ، وتعايشه مع الآخر وأنه قادر على تجديد حياة الناس ومواكبته لمستجدات حياتهم .

تبرز قيمة الخطاب الديني في ريادة الناس  وقيادتهم نحو الصراط المستقيم ، والتغيير والهداية ، وإخراج الناس من غياهب الظلمات إلى النور ، والإرشاد والوعظ والمناجاة ، والتعبير عن التجارب الوجدانية الذاتية والموضوعية .

ومن هنا كانت تجليات الخطاب الديني وقيمته في بيان مزايا الدين، وأثر التدين في الفرد والمجتمع على السواء ، وقد تحدث كثير من شعراء العصر الحديث عن ذلك ، ومنه ما جاء على لسان الشاعر محمد عبد الغني حسن في قصيدته ( روح الإسلام ) التي استهلها بقوله :

يا شعر حدث شباب النيل واروِ لهم

 

وقُصَّ من ذكرك العالي لهم خبرا

واجمع على الدين والأخلاق عقدهم

 

فقد تفرّق هذا العقد وانتثرا





ويقول أيضا

يا مرسل الدين قد أرسلته حكما

 

وصغته رحمة بالناس أو عبرا

ألفت منه سبيل العدل فائتلفت

 

وجئته داعيا للحق فابتدرا

بعثت بالسيد الهادي رسالته

 

نورا على الأرض يمحو الخوف والذعرا

ويملأ الأرض من صافي رسالته

 

صفوا كما امتلأت من قبله كدرا

 









وتبرز قيمة الخطاب الإسلامي في التعبير عن الرؤية الذاتية في نتاج الشعراء المعاصرين حين نراهم يعبرون عن عاطفتهم وإحساسهم تجاه خالقهم عز وجل ، وما يجيش في خواطرهم من إحساس بعظمة الخالق وقدرته .

فهذا هو الشاعر محمد التهامي يعبر عن ذلك في قصيدته ( دعائي في ليلة القدر ) التي يقول في مطلعها :

بكل الشوق في قلبي

 

طرقتُ الباب يا ربي

وفي شفتيَّ ضراعاتٌ

 

لقلب ذاب في جنبي

دعاء في تألقه

 

ضياءُ غير ذي لَهَب

يسيلُ الطُّهر في دمعي

 

ليغسل صدقَه ذنبي

وحسبي أنَّك الرحمن

 

في رضوانه حسبي

 تُجيب ضَراعةَ المحتاجِ

 

عند الموقف الصعب

ش

 

 








وتدعو الشاعرة " روحية القليني "إلى التأمل الصافي في الوجود، وتثبت أن دلائل قدرة الله يصعب تعدادها ، ويستحيل حصرها، ومنها الطير فوق الغصن يهتف بوحدانية الله ، والزهر تفوح رائحته بعظمة الله ، والنجم يرسل التحايا من علياء ذاته المقدسة وغيرها من المظاهر التي ترشد إلى وجود الله ، وتنطق بتفرده ، وتدل على بديع صنعه ، فتقول:

يا ليت شعري ماأقول     


 إذا سئلت من الإله

أأقول جل من  السؤال

 

 عن الحديث عن الرواه 

وأحبه فيما ترى        

 

عيني وفيما  لا ترا 

في الطير فوق الغصن نشـ

 

واناً فيشجيني  غناه 

في الزهر أقطفه  بلهفا

 

تي فينعشني شذاه 

في النجم يبعث لي  التحا

 

يا عاطرات من  علاه

في دمعة طىّالجفو

 

ن وبسمة فوق  الشفاه

في الأفق ممتداً على

 

المجهول لا أدري  مداه

بالقلب يخفق بالوجو

 

د وخفقه   سر الحياه

وأراه في آياته   

 

لبيانها عنت  الجباه

وألان منطقها  الجميـ 

 

ل وسحرها أقوى العتاه

إعجازه بهر الوجو

 

د وما يشاء له  قضاه

إن قال كن أو لا تكن  

 

خضع الوجود لما يراه

أنا إن سئلت عن الإلـ  

 

ـه أقول سبحان الإلـه






















ونلاحظ اعتماد الشاعرة على إبراز المشاهد الرائعة مما أثارت في النفس مشاعر الجمال ، وحركت فيها نوازع الإيمان بالله ، وتلك الدلائل ممتدة في الأفق لا يعلم مداها إلا الله ، فإذا تأمل الإنسان في نفسه وجد قلبه يخفق بوحدانية الله ، ورأى آياته سبحانه ومظاهر قدرته في الأرض والسماء والفلاة تبين عظمة الله وإعجازه ، هذا الإعجاز يشهد بوجود الخالق - عز وجل - فسبحان من خلق هذا الجمال المبدع .

وتتجلى قيمة الخطاب الإسلامي حين يشارك في حماية مجتمعه مما يحيط به من آفات ومن أكثر الآفات الاجتماعية التي عرض لها الشاعر المسلم التقليد الجهول والجري وراء كل جديد أو غريب دون فحص واختبار ، مما يدل على فقدان الهوية وغياب الإدراك الفكري والوعي الإسلامي المعبر عن الموقف الاجتماعي.

وفي هذا يقول عيسى السلامة:

أرى يعربا صار نهب الضياع

 

وأبناؤه يلثمون العفر

كجلمود صخر برته الرياح

 

ود هداه سيل إلى منحدر

أرانا نقلد زي الفرنج

 

وزي الهنود وزي الغجر

أرانا نسير وراء الغريب

 

ونعثر عمدا إذا ما عثر

أرانا كطفل أضاع المثال

 

فراح يقلد شتى الصور

فإن قدس الهابطون الرجال

 

مضينا نقدس حتى الحجر

وإن مجد الحاقدون الظلام

 

رشفنا الدجى وشتمنا القمر

وإن مل أهل الشقاء الحياة

 

جرعنا الملال بكأس منهمر

فإن لم نكن قد سلبنا الحياة

 

فلا شك أنا سلبنا الفكر

 

 

 

 

 

 

 

 








كما برز الخطاب الإسلامي من خلال النظرة إلى المراة نظرة تقدير واحترام فوقف مدافعا عنها حافظا لها مكانتها الرفيعة التي أحلها الإسلام فيها ، كما بدا غيورا عليها غيرة حارة وإشفاقا متدفقا ، تكلله عاطفة الأخوةالإنسانية  في الله ، بما يقوي أواصر الحب الإنساني الراقي ، فيقول الشاعر محمد عواد معبرا عن ذلك :

قلبي عليك يطير من وجدانه

 

كتطاير الأملاح فوق المجمر

قلبي عليك يمور في أنياطه

 

أسفاً ويقذف بالدم المتفجِّر

الله يعلم يا عزيزة أنني

 

أبكي عليك بلوعة وتحسر

فلاح أمرك في الفؤاد كجنة

 

وفساد حالك في الحشا كالخنجر








ويقول الشاعر محمد صان الدين مثجلا مقدرا للمرأة غيورا عليها :

لا تحسبي حواء أني عنك مشغول الجنان

هل أنت إلا قطعة مني استقلت عن كياني

ما زلت أبحث عنك في كل الأماكن والزمان

لكني أبغيك ياحواء عالية المكان

لا لا أحبك سلعة معروضة للمشترين

أودمية تطلى لتحلو في عيون الناظرين

 

 

 








فهذه الأمثلة تدل على قيمة الخطاب الإسلامي في الشعر المعاصر حين تجلت الرؤية الذاتية في نتاج الشعر المعاصر ولم تكن ذاتية الشاعر الإسلامي نابعة من التقوقع داخل ذاته أو نابعة من التفكير الذهني ، بل كان لها رصيدها من خلال المشاركة الاجتماعية في واقع الحياة ، وأشعاره الكثيرة التي عالج فيها الكثير من الأدواء الاجتماعية دالة على ما تتمتع به من شمولية تأبى أن تنحصر في ذاته أو تتجمد في إطار بعض المضامين دون غيرها، وللحديث بقية عن تعدد محاور الخطاب الإسلامي .

 


ليست هناك تعليقات

إعلان أسفل المقال